Om نزيف ذاكرة
الماضي! تلك المزهرية العجيبة التي نقشت ألوانها صبية من صبايا الجان، في ليلة تشبه ليلة الأحزاب المهولة؛ فصبايا الجان لا يحلو لها الرسم إلا في الليل، والغيوم تهمس بكلمات أنشودة المطر! الماضي يدوخني بألوانه التي تفوق سحرا، وغموضا ألوان أفاعي الهند؛ فأنزلق برخاوة إلى لذة الألوان وفتنتها، كما كان المجنون ينزلق بلذة إلى نسيم جبل التوباذ. هل أصبح الماضي سجني ومنفاي؟ لعلي أنجذب الآن إلى المتاهة الشائكة لأتيه في سراديبها، إلى فسيفساء قصور غرناطة؛ لأمتزج في ألوانها المدهشة، كما كانت تمتزج الأفاعي بالثعابين في تلك اللوحة التي رسمها أمير الجان، وهو يقرأ بصوت منفعل أشعار طرفة بن العبد التي لم يبدع غيرها، إذ قتل في ظروف غامضة حيرت أمراء الجان، كما حير مقتل سعد بن عبادة الأنصاري مؤرخة العرب. هل أستطيع يوما أن أحطم المزهرية ألوانها، ألوان الأفاعي؟ أم سأظل طائر النورس المشرد الذي ترفضه كل موانئ العالم؟
Visa mer